فصل: ما جاء على أفعل من هذا الباب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأمثال **


4370- وَجْدْتُ النَّاسَ إنْ قارضْتُهُمْ قارَضُوكَ،

هذا من كلام أبي الدرداء رضي الله عنه، وتمامه ‏"‏وإن تركتهم لم يتركوك‏"‏ المقارضة‏:‏ يجوز أن تكون من القَرْضِ الذي هو الدَّين، وجُعِلَ ايتعارة للأفعال المقتضية للمجازاة، أي إن حسنت إليهم أحسنوا إليك، وإن أسأت فكذلك، ومعنى قوله ‏"‏وإن تركتهم لم يتركوك‏"‏ أي إن عَوَّدتهم الإحسان ثم فطمْتَهم لم يتركوك، يعني أنهم يلحون حتى تعود إليهم بالإحسان، ويجوز أن تكون المقارضة من القَرْض الذي هو القَطْع، أي إن نِلْتَ من أعراضهم نالوا من عرضك، وإن تركتهم فلم تنل منهم نالوا منك أيضاً لسوء دِخْلَتهم وخُبْث طباعهم، وسمى النيل من العرض قطعاً لأنه سبب القطع، والمثل في الجملة ذم لسوء معاشرة الناس ونهى عن مخالطتهم، وينشد في هذا المعنى‏:‏

وَمَا أنْتَ إلاَ ظالم وَابْنُ ظَالمٍ * لأنَّكَ مِنْ أولاد حَوَّا وَآدَمِ

فإن كُنْتَ مِثْلَ النَّصْلِ ألْفَيتَ قَائِلاً * ألاَ مَا لهذا النَّصْلِ لَيْسَ بِصَارِمِ

وإن كُنْتَ مِثْلَ القَدْحِ ألْفَيْتَ قائلاً * ألاَ مَا لِهذا القِدْحِ لَيْسَ بِقَائِمٍ

4371- وَأمٌّ بِشِقٍّ أهْلُهُ جِيَاعٌ

الوَأم‏:‏ البيتُ الثَّخِين من شَعْر أو وَبَر، وشق‏:‏ موضع‏.‏

يضرب للكثير المال لاَ ينتفع به‏.‏

4372- الوحدةَُ خَيْرٌ مِنْ جَلِيس السُّوءِ

قَالَ أبو عبيد‏:‏ هذا من أمثالهم السائرة في القديم والحديث‏.‏

4373- أوْدَى بِهِ الأزلَمْ الجَذَعُ

يُقَال‏:‏ الأزلم اسم للدهر، والجذع صفة له؛ لأنه لا يهرم أبدا، بل يتجدَّدُ شبابه‏.‏

يضرب مثلاً لما وَلَّى ويُئِس منه؛ لأن الدهر أهلكَه، قَالَ لَقيط بن يعمُر الإيادي‏:‏

يَا قَوْمِ بَيضَتكم لاَ تُفْضَحُنَّ بِهَا * إنِّي أخافُ عَلَيْها الأزلم الجَذَعا

4374- وَقَعَ في رَوْضَةٍ وَغَدِيرٍ

يضرب لمن وقع في خصْب ودَعَة‏.‏

4375- أوْضَعْ بِنَا وَأَمِلَّ

الوضيعة‏:‏ الحَمْضُ بعينه، وقوله أوضع بنا أي أرعِنَا الحْمْض، وأمِلَّ من الإملاَل، وهو الرعى في الخلة، يعني خذ بنا تارة في هذا وتارة في ذاك‏.‏

يضرب في التوسط حتى لاَ يسأم‏.‏‏[‏ص 367‏]‏

4376- وَرَيْتُ بِكَ زِنَادِى، وزهَّرْتُ بِكَ نَارِي

يضربان عند لقاء النجح، أي رأيت منك ما أحب‏.‏

4377- وَجْدَانُ الرِّقِينَ يُغَطِّي أفَنَ الأفِينِ‏.‏

الرَّقَة‏:‏ الوَرْق، والأفَنُ‏:‏ الحُمْق والأَفِينُ‏:‏ المأفون، وهو الأَحمق، والأفَنُ - بالتحريك - ضعف الرأي، وقد أفِنَ الرجلُ، وأفَنَهُ الله يأفنه أفناً، وأصله النقص، يقال‏:‏ أفن الفصيل ما في ضَرْع أمه، إذا شربه كله‏.‏

يضرب في فَضْل الغنى والجِدَة‏.‏

4378- وَشْكانَ ذَا إذابةً وَحَقْناً

أي ما أسرع ما أذيبَ هذا السمن وحُقِن، ونصب ‏"‏إذابة وحقنا‏"‏ على الحال وإن كانا مصدرين، كما يُقَال‏:‏ سرُعَ هذا مُذَاباً ومَحْقُونا، ويجوز أن يحمل على التمييز كما يُقَال حَسُنَ زيد وجهاً، وتَصَيَّبَ عرقاً‏.‏

يضرب في سرعة وقوع الأمر، ولمن يخبر بالشيء قبل أوانه‏.‏

4379- وَقَعَ عَلَى الشَّحْمَةِ الرُّقَّى

ويروى ‏"‏الرُّكَّى‏"‏ وهو الشحم الذي يذوب سريعاً، يُقَال‏:‏ الشحمة الرُّكَى على فُعْلَى، والعامة تقول الرُّقَّى‏.‏

يضرب لمن لاَ يعينك في قضاء الحاجات

4380- وَقَعُوا في عَاثُور شَرٍّ، وعَافُورِ شَر

أي وقعوا في شر لاَ مخلصَ لهم منه‏.‏

4381- أوْهَيْتَ وَهْياً فارقَعْهُ

أي أفسدت أمراً فأصلِحْهُ

4382- أوْدَتْ أرضٌ وأوْدَى عَامِرُهَا

يضرب للشيء يذهب ويذهب مَنْ كان يصلحه‏.‏

4383- وَيْلٌ لِلشَّجِيِّ مِنَ الخَلِىِّ

ذكرت قصته في حرف الصاد عند قولهم ‏"‏صُغَراهَا شُرَّها‏"‏ ‏(‏انظر المثل رقم 2112‏)‏

وهذه رواية أخرى قَالَ المدائنى ومحمد بن سلام الجحمى‏:‏ أول من قَالَ ذلك أكْثَمُ بن صَيفي التميمى، وكان من حديثه أنه لما ظهر النبي عليه الصلاَة والسلام بمكة ودَعَا الناسَ إلى الإسلام بعث أكْثَم بن صيفي ابنَهُ حُبَيْشاً، فأتاه يخبره، فجمع بني تميم وقَالَ‏:‏ يا بني تميم، لاَ تُحْضِرُونِي سفيهاً فإنه مَنْ يَسْمَع يَخَلْ، إن السفيه يُوهِنُ مَنْ فوقه ويثبت من دونه، لاَ خير فيمن لاَ عقل له، كبرت سني ودَخَلَتْني ذلة، فإذا رأيتم مني حَسَناً فاقبلوه، وإن رأيتم مني غير ذلك فقوموني أستقم، إن ابني شَافَهَ هذا الرجل مُشَافهة وأتاني بخبره وكتابه يأمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر، ويأخذ فيه بمحاسن ‏[‏ص 368‏]‏

الأخلاَق، ويدعو إلى توحيد الله تعالى، وخلَع الأوثان، وترك الحلف بالنيران، وقد عَرَف ذوو الرأي منكم أن الفضلَ فيما يدعو إليه، وأن الرأي تركُ ما ينهى عنه، إن أحَقَّ الناس بمعونة محمد صلى الله عليه وسلم ومساعدته على أمره أنتم، فإن يكن الذي يدعو إليه حقا فهو لكم دون الناس، وإن يكن باطلاً كنتم أحَقَّ الناس بالكَفِّ عنه وبالسَّتْر عليه، وقد كان أسقفُ نَجْرَان يحدِّث بصفته، وكان سفيان بن مُجَاشع يحدث به قبله، وسمى ابنه محمدا، فكونوا في أمره أولاً، ولا تكونوا آخرا ، ائتُوا طائعين قبل أن تأتوا كارهين، إن الذي يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم لو لم يكن ديناً كان في أخلاَق الناس حَسَنا، أطيعوني واتَّبِعُوا أمري أسأل لكم أشياء لاَ تنزع منكم أبداً، وأصبحتم أعز حي في العرب، وأكثرهم عدداً، وأوسعهم داراً، فإني أرى أمراً لاَ يجتنبه عزيز إلاَ ذل، ولاَ يلزمه ذليل إلاَ عز، إن الأَوَّل لم يَدَعْ للآخر شيئاً، وهذا أمر له ما بعده، مَنْ سبق إليه غمر المعالي، واقتدى به التالي، والعزيمة حزم، والاَختلاَف عجز فَقَالَ مالك بن نُويْرة، قد خَرِفَ شيخكم، فَقَالَ أكثم‏:‏ ويل للشجىِّ من الخلى، والهَفْي على أمْرٍ لم أشهده ولم يسعنى‏.‏

4384- وَرَدُوا حِيَاضَ غَتِيمٍ

أي ماتوا

قَالَ الأَزهَري‏:‏ الغَتيم الموت

قلت‏:‏ لعله أخِذَ من الغتم، وهو الأَخذ بالنفس من شدة الحر، ومنه ‏(‏قبل هذا البيت قوله‏:‏ و *حرقها حمض بلاَ دقل*

و ‏"‏غير مستقل‏"‏ هنا غير مرتفع لثبات الحر المنسوب إليه، وإنما يشتد الحر عند طلوع الشعرى التي في الجوزاء‏)‏

وَغَتْمُ بَحْمٍ غَيْرَ مُسْتَقِل*

وتركيب الكلمة يدل على انسداد وانغلاَق كالغُتْمَةِ، وهي العُجْمَة، ومن مات انسَدَّت مسامُّه وانغلقت متصرفاته، وروى ثعلب بالثاء المعجمة بثلاَث، ولاَ أدرى ما صحته ‏(‏قَالَ في اللسان ‏(‏غ ت م‏)‏ ‏"‏ووقع فلاَن في أحواض غتيم، أي وقع في الموت، لغة في غثيم، عن ابن الأَعرَبي، وحكى اللحياني‏:‏ ورد حوض غتيم، أي مات، قَالَ‏:‏ والغتيم الموت، فأدخل عليه الألف واللأم، قَالَ ابن سيده‏:‏ ولاَ أعرفها عن غيره‏"‏ اهـ‏.‏ وقَالَ في ‏(‏غ ث م‏)‏ ‏"‏ووقع في أحواض غثيم، أَي في الموت، لغة في غتيم، قَالَ أبو عمر الزاهد‏:‏ يُقَال للرجل إذا مات‏:‏ ورد حياض غثيم، وقَالَ ابن دريد‏:‏ غتيم، وقَالَ بن الأَعرَبي‏:‏ قتيم‏"‏ اهـ‏)‏‏[‏ص 369‏]‏

4385- وَسِعَ رِقَاعٌ قَوْمَهُ

رِقَاع‏:‏ اسم رجل كان شريراً، يقول‏:‏ أو فرنا شراً، قَالَ المؤرج‏:‏ وربما قيلت في الخير، وهي في الشر أكثر، وإنما يُقَال ذلك للجاني على قومه

4386- وَرَثْتُهُ عَنْ عَمَّةٍ رَقُوبٍ

الرَّقُوبُ‏:‏ التي لا يعيش لها ولد؛ فهي أرْأَفُ بابن أخيها

4387- وَقَعُوا فِي تُغُلِّسَ

بضم التاء والغين وكسر اللام - أي وقعوا في داهية، قَالَه أبو زيد‏.‏

قلت‏:‏ هذا اللفظ في أمثاله المقروءة على المشايخ على وزن تُقُتِّلَ، وكذلك قرىء على القاضي أبي سعيد، إلاَ أنه قَالَ‏:‏ أنا لاَ أحفظ إلاَ تُغُلِّسَ، كما أثبته أنا ههنا‏.‏

4388- وَلِيَ حارَّهَا مَنْ وَليَ قَارَّهَا

ويروى ‏"‏من تَوَلَّى‏"‏ قَالَه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعتبة بن غَزْوَان، أولأَبي مسعود الأَنصاري رضي الله عنه، أي احمل ثقلك على مَنِ انتفع بك‏.‏

4389- وَاحَبَّذا وَطْأةُ المَيْلِ

قَالَه رجل راكب دابة، وقد مال على أحد جانبيه، فقيل له‏:‏ اعتدل، فاستطاب رِكْبَتَه، فلم يزل كذلك حتى نزل وقد عَقَر دابته‏.‏

يضرب لمن خالف نصيحة‏.‏

4390- وَأَهْلُ عَمْرٍ وقدْ أضَلُّوهُ

قَالَوا‏:‏ هو عمرو بن الأَحوَص بن جعفر ابن كلاَب، قَالَه أبوه لما قتل ‏(‏كان عمر وقد غزا بني حنظلة في يوم ذي نجب، فقتله خالد بن مالك بن ربعى، وكان أبوه يحبه، فكان كلما سمع باكية قَالَ ‏"‏وأهل عمر وقد أضلوه‏"‏

عمرو فلم يرجع إليه، والمثل هكذا يضرب مع الواو في ‏"‏وأهل‏"‏ لما أهلكه صاحبه بْيده‏.‏

4391- أَوْدَى دَرِمٌ

هو دَرِم بن دُبّ بن مرة بن ذُهْل بن شيبان‏.‏

قَالَ أبو عمرو‏:‏ كان النعمان بن المنذر يطلب دَرِماً وجَعَل فيه جُعْلاَ لمن جاء به أو دلَّ عليه، فأصابه قوم، فأقبلوا به إليه، فمات في أيديهم قبل أن يبلغوا به إليه فقيل ‏"‏أودى دَرِم‏"‏

يضرب لمن لم يدرك بثأره‏.‏

4392- وَلْغٌ جَرِىٍّ كانَ مَحْشُوماً

قَالَ ابن الأَعرَبي‏:‏ حَشَمْتُه أي أخجلته ويروى ‏"‏وَلَغْ جَرِيٍّ كان محسوماً‏"‏ بالسين هكذا رواه ابن كثوة‏.‏

يضرب في استكثار الحريص من الشيء قَدَرَ عليه بعد أن لم يكن قادراً‏.‏‏[‏ص 370‏]‏

4393_ وَجَدْتَنِي الشَّحْمَةَ الرُّقى طَرِفاً

أي رقيقةَ الطرف، أي وجدتَنِى لاَ امتناعَ بي عليك‏.‏

4394- وَلُوعٌ وَلَيْسَ لِشيء يَرِدُ

أي هو حَرِيص على ما مُنِع، ولاَ يرد عليه شيء مما يريد‏.‏

4395- وَقَعُوا في أُمِّ خَنُّورٍ

مثال تَنُّور وسِنَّوْر، أي في نعمةٍ، كذا قَالَه أبو عمرو، وقَالَ آخرون‏:‏ أي في داهية‏.‏

4396- وَيَشْرَبُ جَمَلُها مِن المَاءِ

أصله أن رَجُلاً تزوج امرأة فمقَتَها فطلقها، ثم لبث زماناً، فاستسقاه ظُعُن مررن به، فسقاهن، فرأي جملها وهي عليه، فعرفها فَقَالَ‏:‏ ويشربُ جملُها من الماء‏.‏

يضرب عند التهكم بالممقوت‏.‏

4397- وَعَدَهُ عِدَةَ الثُّرَيَّا بِالقَمَرِ

وذلك أنهما يلتقيان في كل شهر مرة‏.‏

4398- أَوْرَدْتَ مَالَمْ تَصْدُرْ

أي نَطَقْتَ بما لم تقدر على ردِّهَا من كلمة عَوْراء، أو جنيتَ جنايةً شَنْعَاء‏.‏

4399- وَابِطَينَا بَطَّنْ

أصله أن رَجُلاً من العرب كانت له ابنة فخطبها قوم، فدفع أبوها إليهم ذِرَاعاً مع العضد، وقَالَ‏:‏ مَنْ فَصَلَ بينهما فهي له، فعالجوا فلم يَصِلُو إليها، حتى وقعت في يد غلام كان يعجب الجارية يسمى بطينا فَقَالَت‏:‏ وَابِطَيناً بَطِّن، أي حُزَّ باطنا تصادف المِفْصَل، فَقَالَ أي لا تقطعه إلا من باطنه، فلما أمرته طبق المَفْصِلَ، فقال أبوها‏:‏ وابِطْنَك وهَوَانَك، يعني ستَرَيْنَ سَغَبَ بطِنكِ و إهانتك‏.‏

يضرب في حُسْن الفهم والظفر‏.‏

4400- وَلَدَتْ رَأساً عَلَى رَأسٍ

يضرب للمرأة تَلِدُ كلَّ عام ولدا‏.‏

4401- وَيْلٌ أَهْوَنُ مِنْ وَيَلَيْنِ

هذا مثل قولهم ‏"‏بَعْضُ الشَّرِّ أهْوَنُ من بعض‏"‏

4402- وَيْلٌ لِعَالِمِ أَمْرٍ مِنْ جاهِلِهِ

قَالَه أكْثَمُ بن صَيْفِي في كلام له، ويروى ‏"‏ويل عالم أمر من جاهله‏"‏

4403- وَرَاءَكَ أَوْسَعُ لَكَ

أي تأخر تَجِدْ مكانا أو سَعَ لك، ويُقَال في ضده ‏"‏أمامَكَ‏"‏ أي تَقَدَّمْ‏.‏

4404- وَجْهُ عَدُوِّكَ يُعْرِبُ عَنْ ضَمِيرِهِ

وهذا كقولهم ‏"‏البُغْضُ تبديه لك العَيْنَانِ‏"‏‏[‏ص 371‏]‏

4405- وَهَلْ يُغْنِى مِنَ الحدثانِ لَيْتُ

هذا قريبٌ من قولهم‏:‏

إنَّ لَوّاً وَإنَّ لَيتَاً عَنَاءُ

4406- أَوْسَعُ القَوْمِ ثَوْباً

أي أكثرهم معروفاً وأطْوَلُهم يداً، كما يُقَال ‏"‏عمرو طَوِيلُ الرداء‏"‏ إذا كان سخياً

4407- الوَفَاءُ مَنَ الله بمكانٍ

أي للوفاء عند الله محل ومنزلة، وهذا كما يُقَال ‏"‏لي من قلب فلاَن مكان‏"‏

يضرب في مدح الوفاء بالوعد

وروي عن عبد الله بن عمر أنه كان وَعَدَ رجلاً من قريش أن يزوجه ابنته، فلما كان عند موته أرسل إليه فزوجه، وقَالَ‏:‏ كرهت أن ألْقَى الله بثُلًثِ النفاق‏.‏

4408- الوَاقِيةُ خَيْرٌ مِنَ الرَّاقِيَّةِ

يعني الوِقَاية وهي الحفظ، أي حفظ الله إياكَ خيرٌ لك من أن تُبْتَلَى فترقى، والراقية يجوز أن بمعنى المصدر كالواقية بمعنى الوقاية، ويجوز أن تكون الفاعلة من الرُّقيَة

يضرب في اغتنام الصحة‏.‏

4409- أَوْدَى عَتيب

قَالَ ابن الكلبي‏:‏ هو عَتِيب بن أسلم بن مالك بن شَنُوأة بن قديل، وهو أبو حى من العرب، أغار عليهم بعضُ الملوك فَسَبَى الرجال فكانوا يقولون‏:‏ إذا كبر صبيانُنَا لم يتركونا حتى يَفْتَكُّونَا، فلم يزالوا عنده حتى هلكوا فضربتهم العرب مثلاً، وقَالَت‏:‏ أودى عَتِيب، كما قَالَوا أودى دَرِم، قَالَ عدي بن زيد‏:‏

تُرَجِّيْهَا وَقَدْ وَقَعَتْ بِقُرٍّ * كَمَا تَرْجُو أصَاغِرَها عَتِيبُ

4410- وَقَعُوا في أُمِّ عُبَيْدٍ تَصَايَحَ حَيَّاتُهَا

أي إذا وقَعُوا في داهية، وأم عبيد‏:‏ كُنَيَةُ الفَلاَة‏.‏

4411- وَلُودٌ الوَعْدِ عَاقِرُ الإنْجَازِ

يضرب لمن يكثر وَعْدُه ويقلُّ نَقْدُه

4412- وَجَدْتُهُ لاَبِساً أُذُنَيْهِ

أي متغافلاَ، قَالَ الشاعر‏:‏

لَبِسْتُ لِغَالِبٍ أذُنِي حَتَّى * أراد برَهْطِهِ أنْ يأكلوني

أي تغافلت حتى أرادوا أن يأكلوني، والباء في ‏"‏برهطه‏"‏ بمعنى مع، أي حتى أراد هو مع رهطه أن يأكلوني، يريد حلمت عنهم حتى استولوا

4413- وَصَلَ رَبِيعَةُ بِضُرِّهِ

ويُقَال ‏"‏وصَلَ الضَّرَّةَ بالهُزَال وسوء ‏[‏ص 272‏]‏ الحال‏"‏ أي غَيَّر عيشه عليه ووصَلَ خيره بشره، وينشد للأَعشى‏:‏

ثم وصلت ضَرَّهُ بِرَبيعِ*

4414- وَقَعْتِ في مَرْتَعَةٍ فَعِيثى

المَرْتَعَة‏:‏ الخِصْب، يُقَال‏:‏ ظلُّوا في مَرْتَعَة من العيش، وعِيثِي‏:‏ أي أفْسِدِي‏.‏

يضرب للذي لاَ يحسن إيالة ماله إذا قدر على كثرة مال‏.‏

قَالَ الفراء‏:‏ يُقَال كانت لنا البارحَةَ مَرْتَعَة، وهي الأصوات واللعب، وقال غيره‏:‏ يُقَال للدابة إذا طردت الذبابَ برأسها‏:‏ رتعت، قَالَ مصاد بن زهير

سَمَا بِالرَّاتِعَاتِ مِنَ المَطَايَا * قوىٌّ لاَ يَضِلُّ وَلاَ يَجُوزُ

4415- الوَحْشَةُ ذَهَابُ الأعْلام

يعني أن الوحشة كل الوَحْشَة ذهابُ العظماء إما في الدين وإما في أمر الدنيا

4416- وَدَّعَ مَالاً مُودِعُهُ

لأنه إذا استودَعه غيرَه فقد وَدَّعه وغُرِّرَ به، ولعله لاَ يرجع إليه أبداً ‏(‏يضرب في قلة الثقات‏)‏

4417- الوَقْسُ يُعْدِى فَتَعَدَّ الوَقْسَا مَنْ يَدْنُ لِلْوَقْسِ يُلاَقِي تَعْسَا

الوَقْسُ‏:‏ الجَربُ، يقول‏:‏ تَجنَّبِ الشِّرَار فإن شرهم يُعدِى كما تدنو الصَّحَاح من الجرْبى فتعديها‏.‏

4418- وَقَعُوا في هُوَّةٍ تَتَرَامَي بِهِمْ أرْجَاؤُهَا

أي نواحيها، وأنشد ابنُ الأَعرَبي‏:‏

وأشْعَثَ قد طارَتْ قَنَازِعُ رَأْسِهِ * دَعَوْتُ عَلَى طُولِ الكَرَى وَدَعَانِي

مَطَوْتُ بِهِ في الأَرض حَتَّى كأنَّه * أخُو سَبَبٍ يَرْمِى بِهِ الرَّجَوَانِ

أي كأنه في بئر يضرب به رَجَوَاها مما به من النُّعَاس‏.‏

4419- وَرْياً يَقْطَعُ العِظَامَ بَرْياً

أي وَرَاه الله وَرْياً وهو أن يأكل القَيْحُ جَوْفَه‏.‏

يضرب في الدعاء على الإنسان

4420- وَقَعُوا في صُلَّعٍ مُنْكَرَةٍ

يضرب لمن وقع في مكروه‏.‏

وكذلك‏:‏

4421- وقَعُوا في حَرَّةٍ رُجَيْلَةٍ

يُقَال حَرَّة ‏(‏حكى المجد‏:‏ حرة رجلاَء كحمراء، وحرة رجلى كسكرى، وقَالَ‏:‏ خشنة يترجل فيها، أو مستوية كثيرة الحجارة‏)‏

رَجْلاَء ورُجَيْلَة، إذا كانت كثيرة الحجارة يشتدُّ، المشى فيها‏[‏ص 373‏]‏

4422- وَشِيعَةٌ فِيهَا ذِئَابٌ وَنَقْدٌ

الوَشِيعة‏:‏ مثل الحظيرة تبنى من فروع الشجر للشاء، والنَّقَد‏:‏ صغار الغَنَم‏.‏

يضرب لمكان فيه الظَّلَمة والضَّعَفة ولاَ مجير ولاَ مغيث

4423- أَوْدَى بِلُبِّ الحَازِمِ المَطْرُوقُ

يُقَال‏:‏ أودى به؛ إذا أهلَكَه، والحازم‏:‏ العاقل، والمطروق‏:‏ الضعيفُ الرأي‏.‏

يضرب للعاقل يخدعه جاهل‏.‏

4424- وَمَوْرِدُ الجَهْلِ وَبِيُّ المَنْهَلِ

المَوْرِد والمَنْهَل‏:‏ واحد، ولعله أراد المصدر من نهل ينهل نَهَلاً ومَنْهلاً، والوبي‏:‏ الذي لاَ يستمرئ ولاَ يسمن عليه المال‏.‏

يضرب في النهي عن استعمال الجهل‏.‏

4425- أوْرَدْتَ مَا نَامَ عَنْهُ الفَارِطُ

يُقَال للذي يتقدم الواردةَ‏:‏ فَارِط، وفَرَطٌ؛ لأنه يتقدم فيهيء الأَرْشِيَةَ وَالدِّلاَء

يضرب لمن نال بغيتُه من غير تَعَب

4426- أَوْدُّ مِنْ عَيْشِكَ شَوْكُ العُرْفُطِ ‏(‏من حق التنسيق أن يكون هذا المثل فيما جاء على أفعل من باب الواو‏)‏

أوَدُّ‏:‏ أفْعَلُ من المفعول، وهو المودود ومثل هذا يشذ، يعني أن يُبْنَي أفعلُ من المفعول، والعُرْفُظُ‏:‏ من العَضَاه، يريد شَوْكُ العرفط أليَنُ وألذُّ من عَيْشك‏.‏

يضرب لمن هو في تَعَب ونَصَب من العيش

4427- أَوْقَدَ في ظَلِفَةٍ لاَ تُسْلَكُ

الظَّلِفَةِ والظَّلِيف من الأَرض‏:‏ التي لاَ تؤدى أثراً لصلاَبها، زعم أنه لو أوْقَدَ في أرضٍ لاَ يأتيه أحد طلباً للقرى لشدة بخله‏.‏

يضرب للواجِدِ البَخِيل‏.‏

4428- وَاحِدَةٌ جَاءَتْ مِنَ السَّبْعِ المِعَرِ

الأمعَرُ‏:‏ العاري من الشعر الذي يُغَطَّي الجسد، أي داهية واحدة جاءت من الدواهي السبع الظاهرة‏.‏

يضرب لمن حُذَِر فلم يَحْذر ثم نُكِب بِما خِيفَ عليه‏.‏

4429- وَحْيٌ فِي حَجَرٍ

الوَحْي‏:‏ الكتابة‏.‏

يضرب عند كتمان السر‏.‏

أي سِرُّكَ وَحْي في حَجَر؛ لأن الحَجَر لاَ يُخْبر أحداً بشيء، أي أنا مثله‏.‏

4430- وَقَعَ الكَلْبُ عَلَى الذِّئْبِ

هذا من قول عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهم‏.‏

وذلك أنه سُئِل عن رجل غَصَبَ رجلاً مالاَ ثم قَدَرَ المغضوبُ على مال الغاصب، أيأخذ منه مثل ما أخذ‏؟‏ فَقَالَ عكرمة‏:‏ وقعَ الكلبُ على الذئب، ليأخُذْ منه مثلَ ما أخَذَ

يضرب في الاَنتصار من الظالم ‏[‏ص 374‏]‏

*3*  ما جاء على أفعل من هذا الباب

4431- أَوْلَى الأمور بِالنَّجَاحِ المُواظَبَةُ والإلحاحُ

يضرب في الحثِّ على المداومة فإن فيها النُّجْحَ والظَّفَرَ بالمراد‏.‏

4432- أَوْفَى مَنَ السَّمَوْأَلِ

هو السَّمَوأل بن حيَّان بن عَادِياء اليَهُودي‏.‏

وكان من وفائه أن امرأ القَيْس لما أراد الخُرُوجَ إلى قيصر اسْتَوْدَعَ السموألَ دُرُوعاً وأحَيْحَةَ بن الجُلاَح أيضاً دورعا، فلما مات امرؤ القيس غَزَاه ملك من ملوك الشأم، فتحرز منه السموأل، فأخذ الملك ابناً له، وكان خارجاً من الحِصْنِ، فصاح الملك بالسموأل، فأشرف عليه، فَقَالَ‏:‏ هذا ابنُك في يَدَيَّ، وقد علمت أن امرأ القيس ابن عمي ومن عشيرتي، وأنا أحقُّ بميراثه؛ فإن دفَعْتَ إلي الدروع وإلاَ ذَبَحْتُ ابنك، فَقَالَ‏:‏ أجِّلْني، فأجله، فَجَمعَ أهلَ بيته ونساءه، فشاوَرَهم، فكُلٌّ أشار عليه أن يدفع الدروع ويستنقذ ابنه، فلما أصبح أشْرَفَ عليه وقَالَ‏:‏ ليس إلى دَفْعِ الدروع سبيل، فاصنع ما أنت صانع، فذبَحَ الملكُ ابنه وهو مُشْرِف ينظر إليه، ثم انصرف الملك بالخيبة، فوافى السموألُ بالدروع الموسمَ فدفعها إلى ورثة امرئ القيس، وقَالَ في ذلك‏:‏

وفَيْتُ بأدْرُعِ الكِنْدِيِّ إني * إذا ما خَانَ أقْوَام وَفِيْتُ

وَقَالَوا‏:‏ إنه كَنْزٌ رَغِيبٌ، * وَلاَ وَالله أغْدِرُ مَا مَشَيْتُ

بَنَى لِي عَادِيَا حِصْناً حِصْينَاً * وَبِئْراً كُلَّمَا شئْتُ اسْتَقَيْتُ

طمرا تَزْلقُ العِقَبَانُ عَنْهُ * إذا مَا نَا بَنِي ظُلْمٌ أبيتُ

ويروى‏:‏

إذا مَا سَامَنِي ضيم أبَيْتُ*

وقَالَ الأعْشَى في ذلك‏:‏

شريح لاَ تَتْركَنِّي بَعْدَ مَا عَلِقَتْ * حِبَالُكَ اليَوْمَ بَعْدَ القِدِّ أظْفَارِي

كُنْ كالسَّمَوْألِ إذْ طَافَ الهُمَامُ بِهِ * فِي جَحْفَلٍ كَسَوَادِ اللَّيْلِ جَرَّارِ

بالأَبلقِ الفَرْدِ مِنْ تَيْمَاءَ مَنْزِلُهُ * حِصْنٌ حَصَينٌ وَجَارٌ غَيْرُ غَدَّارِ

إذْ سَامَهُ خُظَّتَى خَسْفٍ فَقَالَ لَهُ * مَهْمَا تَقُلْهُ فَإنِّي سَامِعٌ حَارِ

‏(‏في الأصول ‏"‏جارى‏"‏ وحار‏:‏ أي ياحارث‏)‏

فَقَالَ‏:‏ غَدْرٌ وَثُكْلٌ أنْتَ بَيْنَهُمَا * فَاخْتَرْ، ومَا فِيْهَا حَظ لِمُخْتَارِ ‏[‏ص 375‏]‏

فَشَكَّ غَيْرَ طَويلٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ‏:‏ اذْبَحْ أسِيْرَكَ إنِّي مَانِعٌ جَارِي

هّذا لَهُ خَلَفٌ إن كُنْتَ قَاتِلَهُ * وَإنْ قَتَلْتَ كَرٍيماً غَيْرَ خَوَّارِ

فَقَالَ تَقَدِمَةً إذْ قَامَ يَقْتُلُهُ * أشْرِفْ سَمَوْأَلُ فَانظُرْ لِلْدَّمِ الجَارِي

أَأقْتُلُ ابْنَكَ صَبْراً أوْ تَجِىءَ بِهِ * طَوْعَاً‏؟‏ فأنكرَ هذا أي إنْكارِ

فَشَكَّ أوْ دَاجَهُ وَالصَّدْرُ فِي مَضَضٍ * عَلَيْهِ مُنْطَوياً كَاللَّذْعِ بِالنَّارِ

وَاخْتَارَ أدْرَاعهُ أنْ لاَ يُسَبَّ بِهَا * ولَمْ يكُنْ عَهْدُهُ فِي غَيْرِ مختار

وَقَالَ‏:‏ لا أشتري عَاراً بِمْكرُمَةٍ * فاختارَ مَكْرَمُةَ الدُّنيا عَلَى العَارِ

والصَّبْرُ مِنْهُ قَدِيماً شِيمَةٌ خُلُقٌ * وَزَنْدُهُ في الوَفَاءِ الثَّاقِبُ الوَاري

4433- أَوْفَى مِنْ عَوْفِ بنِ مُحَلِّمٍ

‏(‏انظر المثل رقم 4438‏)‏

كان من وفائه أن مَرْوَان القَرَظِ بن زنباع غزا بكر بن وائل، فَقَصُّوا أثرَ جيشِه، فأسره رجل منهم وهو لاَ يعرفه، فأتى به أمه، فلما دخل عليها قَالَت له أمه‏:‏ إنك لتَخْتَالُ بأسيرك كأنك جئت بمَرْوان القرظ فَقَالَ لها مروان‏:‏ وما تَرْتَجِينَ من مروان‏؟‏ قَالَت‏:‏ عظم فدائه، قَالَ‏:‏ وكم ترتجين من فِدَائِه‏؟‏ قَالَت‏:‏ مائة بعير، قَالَ مروان‏:‏ ذاك لك على أن تؤديني إلى خَمَاعَةَ بنت عَوْف بن مُحَلَم، وكان السبب في ذلك أن لَيْثَ بن مالك المسمى بالمنزوف ضَرِطاً لما مات أخذت بنو عَبْس فرسَه وسَلَبه ثم مالوا إلى خِبَائه فأخذوا أهلَه وسلَبوا امرأته خُمَاعَةَ بنت عَوْف بن مُحَلم، وكان الذي أصابها عَمْرو ابن قاربٍ وذُؤَاب بن أسماء، فسألها مروان القرظ‏:‏ مَنْ أنتِ‏؟‏ فَقَالَت‏:‏ أنا خُمَاعة بنت عَوف بن مُحَلم فانتزعها من عمرو وذُؤَاب لأنه كان رئيسَ القوم، وقَالَ لها‏:‏ غَطَّي وجْهَك، والله لاَ ينظر إليه عربي حتى أردك إلى أبيك، ووقع بينه وبين بني عبس شر بسببها، ويُقال‏:‏ إن مروان قَالَ لعمرو وذؤاب‏:‏ حَكِّماني في خُماعة، قَالاَ‏:‏ قد حكَّمناك يا أبا صهبان، قَالَ‏:‏ فإني اشتريتها منكما بمائة من الإبل، وضمَّها إلى أهله، حتى إذا دخل الشهر الحرام أحسن كُسْوَتها وأخْدَمها وأكرمها وحَمَلَها إلى عُكاظ، فلما انتهى بها إلى منازل بني شيبان قَالَ لها‏:‏ هل تعرفين منازل قومك ومنزل أبيك‏؟‏ فَقَالَت‏:‏ هذه منازل قومي وهذه قُبَّةُ أبي، قَالَ‏:‏ فانطلقي إلى أبيك، فانطلقت فخبرت بصنيع مروان، فَقَالَ مروان فيما كان بينه وبين قومه في أمر خُمَاعة ورَدَّها إلى أبيها‏:‏ ‏[‏ص 376‏]‏

رَدَدْتُ عَلَى عَوْفٍ خُمَاعَةَ بَعْدَ مَا * خَلاَها ذُؤَابٌ غَيْرَ خَلْوَةِ خَاطِبِ

وَلَوْ غَيرُها كَانَتْ سَبِيَّةَ رُمْحِهِ * لَجَاء بِهَا مَقْرُونةً بِالذَّوَائِبِ

وَلكِنَّهُ ألقَى عَلَيْهَا حِجَابَهُ * رَجَاء الثَّوَابِ أوْ حِذَارَ العَوَاقِبِ

فَدَافَعْتُ عَنْهَا نَاشِباً وَقَبِيلَهُ * وَفَارِسَ يَعْبُوبٍ وَعَمْرَو بنْ قَارِبِ

فَفَاديْتُها لمَّا تبَيَّنَ نصفها * بِكُومِ المتَالَي وَالعِشَارِ الضَّوَارِبِ

صُهَابِيَّةٍ حُمْرِ العَثَانِينِ وَالذَُرى * مَهَارِيسَ أمثالِ الصُّخُورِ مصاعِبِ

في أبيات مع هذه؛ مكانت هذه يدا لمروان عند خُماعة، فلهذا قال‏:‏ ذاك لك على أن تؤديني إلى خماعة بنت عوف بن محلم فَقَالَت المرأة‏:‏ ومَنْ لي بمائة من الإبل‏؟‏ فأخذ عُوداً من الأَرض فَقَالَ‏:‏ هذا لك بها، فمضَتْ به إلى عوف بن مُحَلم، فبعث إليه عمرو بن هند أن يأتيه به، وكان عمرو وجد على مروان في أمر، فآلى أن لا يعفُو عنه حتى يضع يَدَه في يَدَه، فَقَالَ عَوْف حين جاءه الرسول‏:‏ قد أجارتهُ ابنتي، وليس إليه سبيل، فَقَالَ عمرو بن هند‏:‏ قد آليت أن لاَ أعفو عنه أو يضَعَ يَده في يدي، قال عوف‏:‏ يضع يده في يدك على أن تكون يدي بينهما، فأجابه عمرو بن هند إلى ذلك، فجاء عوف بمروان فأدخله عليه فوَضَعَ يده في يده ووضع يده بين أيديهما، فعفا عنه، وقَالَ عمرو‏:‏ لاَ حُرَّ بوادي عوف، فأرسلها مثلاً، أي لاَ سيد به يناويه، وإنما سمى مروان القَرَظِ لأنه كان يغزو اليمنَ وهي منابت القَرَظِ‏.‏

4434- أَوْفَى مِنَ الحَارثِ بنْ ظَالِمٍ

وكان من وفائه أن عياض بن دَيْهَث مَرَّ برعاء الحارث وهم يسقون، فسَقَى فقَصُرَ رِشَاؤُه فاستعار من أرِشيَةِ الحارث فَوَصل رشاءه، فأرْوَى إبله، فأغار عليه بعضُ حَشِم النعمان فاطردوا إبله، فصاح عياض‏:‏ يا جاراه يا جاراه، فَقَالَ له الحارث‏:‏ متى كنتُ جارَك‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ وصَلْتُ رشائي برشائك فسقيتُ إبلي فأغير عليها، وذلك الماء في بطونها، قَالَ‏:‏ جِوَار ورَبِّ الكعبة، فأتى النعمانَ، فَقَالَ‏:‏ أبيْتَ اللعن‏!‏ أغار حَشَمُك على جَاري عياض بن ديهث فأخذوا إبله وماله عليه، فَقَالَ له النعمان‏:‏ أفلاَ تشد ما وَهَى من أديمك، يريد أن الحارث قتل خالد بن جعفر بن كلاب في جوار الأَسود بن المنذر، فَقَالَ الحارث‏:‏ هل تعدون الحلبة إلى نفسي‏؟‏ ويروى‏:‏ هل تعدون الحلبة من الأعداء‏؟‏ يعني تركضون، ويروى ‏"‏تعدون‏"‏ من التعدي أي تتعدون ‏[‏ص 377‏]‏

أي تتجاوزون، فأرسلها مثلاً، أي أنك لاَ تهلك إلاَ نفسي إن قتلتها، فتدبر النعمان كلمته، فرد على عياض أهله وماله‏.‏

قَالَ الفرزدق يضرب المثل لسيلمان بن عبد الملك حين وفي ليزيد بن المهلَّب‏:‏

لَعَمْرِي لقد أوفَى و زَادَ وَفَاؤُهُ * عَلى كل جَارٍ جارُ آلِ المُهَلَّبِ

كَمَا كان أوْفى إذ يُنَادِي ابنُ دَيْهَثٍ * وَصِرْمُتُه كالمَغْنَمِ المُتَنَهَّبِ

فَقَامَ أبُو لَيْلَى إلَيْهِ ابْنُ ظالم * وَكَانَ مَتَى ما يَسْلُلِ السيفَ يَضْرِبِ

4435- أوفَى مِنْ أُمِّ جَمِيلٍ

هي من رَهْط أبى هُريرة رضي الله عنه من دَوْسٍ، وهم أهل السَّرَاة

وكان من وفائها أن هشام بن الوليد بن المُغِيرَة المَخْزومي قَتَلَ أبا زُهَيرٍ الزَّهْرَاني من أزْدِ شَنُوأة، وكان صِهْرَ أبي السفيان بن حرب، فلما بلغ ذلك قومه بالسَّرَاة وثبُوا على ضِرَار بن الخَطَّاب ليقتلوه، فسعى حتى دخل بيتَ أمِّ جميل وعاذَبها، فضربه رجل منهم فوقَع ذُبابُ السيف على الباب، وقامت في وجوههم فَذَبَّتُهُمْ، ونادت قومها فمنعوه لها، فلما قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ظَنَّتْ أنه أخوه، فأتته بالمدينة وقد عرف عُمرُ القصة فَقَالَ‏:‏ إني لستُ بأخيه إلاَ في الإسلام، وهو غَازٍ، وقد عرفنا مِنَّتَكِ عليه فأعطاها على أنها ابنةُ سبيل‏.‏